فصل: الأول (في أركانها وهي أربعة):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة في فروع المالكية ***


النظر الثالث‏:‏ في التراحم في الحيطان والسقوف وغيرها ودفع الضرر في ذلك‏:‏

وفي الكتاب إذا أرسل في أرضه نارا، فوصلت إلى زرع جاره فأفسدته، فإن كانت بعيدة يؤمن وصولها، وإنما حملها ريح أو نحوها لم يضمن؛ لأنه لم يفرط، وإلا ضمن؛ لأنه متسبب، ومن قتل فديته على عاقلته، قال ابن يونس‏:‏ قال أشهب‏:‏ لو قاموا للنار ليردوها فأحرقتهم فدمهم هدر - لا دية ولا غيرها‏.‏ قال اللخمي‏:‏ وافق أشهب ابن القاسم في النار، وخالفه في الماء، وقال‏:‏ إن كان يسير الماء بالرد فأغفل حين تسريحه ضمن، وإن وليه الخدمة ضمن، وإن حبسه تحامل على الجسر بغير خرق ولا ضعف من الجسر، لم يضمن وإن كانت أرض جاره محسرة فتحامل الماء بالريح أو لزيادة لم يضمن؛ لأنه ليس من سببه‏.‏

فرع‏:‏ في الكتاب يمنع فتح الكوة يكشف منها الجار، وكتب عمر - رضي الله عنه - أن يوقف على سرير فإن نظر إلى ما في دار جاره منع نفيا للضرر، وإلا فلا؛ لأنه تصرف في ملكه، ولا يمنع من رفع البنيان وإن منع عنك الهواء أو الشمس؛ لأنه تصرف يتوقع فيع غرض صحيح في ملكه، بخلاف فتح الكوة، ولأن الضرر لا يدفع عنك بضرره، بل أنت بالضرر أولى لعدم الملك، قال ابن يونس‏:‏ قال ابن كنانة‏:‏ إلا أن يكون رفعه يضر بجاره ولا نفع له فيمنع لتعين الفساد، وفي كتاب تضمين الصناع لو كانت الكوة قديمة لم يعرض من له، ولو أضرت لرضاهما بذلك، وقيل‏:‏ يمنع لرضاهما بما لا يحل، وقال بعض أصحابنا‏:‏ يمنع من سد الطاقات ببنيانه، وكذلك إذا أوجب لظلام المنزل أو منع الهواء، خلافا لما في المدونة‏.‏ قال التونسي‏:‏ إلا الذي في نصب الأسرة لعله في موضع يمكن فيه نصب الأسرة، وأما المجارات فإنما يعتبر فيها إدراك القائم دار الجار فيمتنع وإلا فلا، فإن بنى جوار الأندر ما يمنع مهب الريح للتذرية، منعه ابن القاسم في الأندر المتقادم؛ لثبوت حقه في الهواء وهو المقصود منه لتصفية الزرع وإصلاحه، بخلاف المسكن مقصودة السترة والصون، وجوزه عبد الملك؛ لامكان صرف منفعة الإندر إلى غير ذلك، ومنع عبد الملك إحداث الإندر حول الجنان؛ لأنه يضره بتبن التذرية كإحداث الحمام والفرن، ولا يمنع الدقاق والغسال يؤذيان جارهما بضربهما لخفته، بخلاف نتن – الدباغ، ويمنع ضرر تبن الأندر بالجنان -

ولو كان الجنان طارئا، كما كان له قبل البناء منعه من وقع التبن في أرضه، وإذا لم يكن لك منعه من الكوة، فلك أن تبني في ملكك ما تسدها به قاله ابن القاسم، كما لو رفع البناء وان ستر الريح والشمس، ومن له غرفة يطلع منها أو من كواها على جاره وهي قديمة قبل دار الجار؛ لأن الجار إنما ملك معيبا، وإن كانت أو الكوة محدثة أمر إزالتها أو سترها، ولو كان بجارك يوم بنيت الغرفة أو كواها دار قائمة، فأراد منعك لتوقع ضرره إذا بنى ليس له ذلك قبل البناء ولا بعده؛ لأنها منفعة سبقته إليها، وقال مطرف‏:‏ له منعك قبل البناء وبعده لنفي الضرر عنه، فلو سكت قبل البناء له المقال بعده، إلا أن تكون اشتريت الغرفة على ذلك، وإنما له منعك في إحداثها، قال عبد الملك‏:‏ إذا باع داره وقد أحدث عليه جاره الكوة أو مجرى ماء أو غيره فلم يخاصم حتى باع، ليس للمشتري القيام؛ لأنه إنما اشترى معيبا فحقه ساقط في العيب والضرر، فلو خاصم ولم يتم له الحكم حتى باع فللمشتري القيام؛ لأنه تنزل منزلته، قال التونسي‏:‏ كيف يصح البيع قبل الحكم وهو شراء خصومة، إلا أن يريد أنه لا خصومة في ذلك، وإن الأمر توجه للبائع فباع وأعلم المشتري أن له سد ما أحدث عليه‏.‏ وفي الكتاب ما أحدثه في عرصته من فرن أو حمام أو رحى ماء أو كير الحديد أو بئر أو كنيف، منع من ذلك ما أضر منه بالجار، واستخف اتخاذ التنور، قال سحنون‏:‏ إذا قال أسد الكوة من وراء الباب أو بلبنة منع؛ لأنه يشهد له بعد مدة، فيقال‏:‏ لم يزل هذا الباب هاهنا‏.‏

فرع‏:‏ قال اللخمي‏:‏ إذا أخذت إلى دارك شيئا مما بين الأندر من الرحاب والشوارع جاز، إلا أن يضر بأهل الموضع أو المارة فيهدم قاله‏:‏ مالك؛ لأن أصله على التمليك بالإحياء حتى يتعين الضرر، وعنه الكراهة إن لم يضر، فإن نزل مضى وهو ظاهر قول ابن القاسم، ومنعه سحنون وقال‏:‏ يهدم؛ لقوله عليه السلام

من اقتطع من طريق المسلمين أو أفنيتهم شبرا من الأرض

طوقه الله يوم القيامة سبع أرضين‏.‏ وليس هو في الصحيح، وللجواز قوله عليه السلام في البخاري إذا تشاحوا في الطريق فسبعة أذرع‏.‏

فرع‏:‏ قال التونسي‏:‏ قيل‏:‏ من دعا إلى قسمة بور القرية الذي يرتفق به أجيب؛ لأنه حقه كفناء الدار بعد قسمة البيوت، وقيل‏:‏ لا كالشارع، وقيل‏:‏ إن كان داخلا في القرية وهي محتفة به قسم، وإلا فلا‏.‏

فرع‏:‏ قال‏:‏ قال أشهب‏:‏ إذا حفرت في دارك ما يضر بجارك ليس لك ذلك - إذا وجدت منه بدا ولم تضطر إليه نفيا للضرر، وإلا فلك؛ لأنه يضربك تركه، كما يضر به فعله وأنت مقدم بالملك، ومنعه ابن القاسم وهو أولى؛ لأن الجار سبق

إلى تلك المنفعة، فلا تفسدها عليه‏.‏

فرع‏:‏ قال‏:‏ ليس لك في الزقاق غير النافذ فتح باب ولا نقبه، لقوة حق أهله فيه بانحصاره لهم، ولك ذلك في النافذ ما لم تضيق الفناء، ومنعه سحنون إذا كان قبالة باب رجل، وإلا جاز، ولك فتح حوانيت في دارك للشارع النافذ كالباب، قاله‏:‏ ابن القاسم في المدونة؛ لأن أصل الشوارع على الإحياء حتى يتعين الضرر، وله تحويل بابه في بئر النافذ حيث لا يضر بجاره، ومنع سحنون الحانوت في النافذ إذا أضر بالجار بجلوس الناس عليه‏.‏

فرع‏:‏ قال‏:‏ قال أصبغ‏:‏ لك شجرات في أرض رجل أراد التحجير على أرضه بجدار، منع إن كانت مجتمعة لا يضر به تركها في القرب والبعد والسهولة، وإلا فلا؛ لأن الضرر إذا تعين على الشريكين حمل على أيسرهما نصيبا، ويفتح لك بابا إليها ويكون غلقه بيدك إن طلبت ذلك، وإن كانت شجر كثيرة غياضا ليس له التحجير عليها؛ لأن أكثر الضرر عليك‏.‏

فرع‏:‏ قال‏:‏ إذا أضرت شجرة جارك بجدارك وهي أقدم من جدارك على ما هو عليه اليوم من الانتشار لا تقطع؛ لأنه إنما ملكت معيبا، فإن زادت الأغصان بعد بناء الجدار شمر ما أضر بالجدار مما حدث بعد البناء؛ لأنه غير المدخول على ضرره، وقال عبد الملك‏:‏ إذا كانت أقدم لا يتعرض لما زاد لدخوله على الزيادة،

وإن كانت محدثة قطع منها ما أضر، وأما الشجر التي تكون في الأرض بميراث أو شراء أو قسمة فامتدت حتى سترت الأرض بالظل، فلا قول لصاحب الأرض؛ لأن الشجر هذا شأنها في الأرض، ووافقنا ‏(‏ش‏)‏ غير أن بعض الشافعية قال‏:‏ إذا كانت أغصان الشجرة الحادثة بعد البناء لينة يمكن كفها بلا قطع لإزالة الضرر بالكف وإن لم يكن فلا يجب القطع بل يؤمر بإزالة الضرر، فلعله يؤثر قطع الشجرة من أصلها لتبقى له الأغصان طوالا، فإن امتنع فهل للمضرور الإزالة إن لم يكن قطع بخلا بالقيمة فله، وإلا فلا بل للحاكم، فلو انتقلت للدار المضرورة من صاحب الشجرة في ابتداء نشأتها ثم عظمت حتى أظلت، لا مقال له لدخوله على ذلك، وما أظن أصحابها يخالفونه في هذا الفقه، فإنه مقتضى القواعد، وقد قال ابن يونس‏:‏ قال مطرف‏:‏ إذا حدث لها أغصان بعد بنيان الجدار تضر بالجدار، شمر ما أضر بالجدار فقط مما حدث، وقال عبد الملك‏:‏ يترك وإن أضر؛ لأنه قد علم أن هذا شأن الشجر ودخل عليه، وكان هذا من حريمها قبل بناء الجدار، وفي كتاب ابن حبيب‏:‏ إن عظمت الشجرة طولا إلى السماء فلا مقال كالبنيان يستر الريح والشمس، قال أصبغ‏:‏ لك شجرة في أرض رجل فعظمت ارتفاعا أو انبساطا حتى أضرت بالأرض لا قول لصاحب الأرض‏.‏

فرع‏:‏ قال‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ إذا نبع من بئرك أو عينك في أرض جارك من غير

سبب منه ليس لك سدها، وإن تسبب في ذلك سددتها، وقال أصبغ‏:‏ إذا خرج في أرض جارك قضيب من شجرة في حائطك من تحت الأرض فصار شجرة، خير جارك بين قلعها أو يعطي لك قيمتها؛ لأنها من غير مالك المعصوم والماء لا يملك إلا بالحوز، وما خرج منه لجارك لم تحزه، ولو كانت إذا قطعت وغرست نبتت، فلك قلعها ولا يخير‏.‏ وقال في المجموعة‏:‏ يعطيك قيمتها مقلوعة ما لم يضربك بأن تشرب من عندك، وإلا فلك قلعها إلا أن يقطع عروقها المتصلة بشجرك وتعطى قيمتها مقلوعة‏.‏

فرع‏:‏ قال‏:‏ قال مطرف‏:‏ يمنع ما أضر بالناس من إحداث الأبرجة تضر بالزرع، أو النحل تضر بالشجر، وكذلك الدجاج والإوز الطيارة بخلاف الماشية؛ لأن الاحتراس منها ممكن ودخل الناس عليه في العادة، وجوز ابن القاسم اتخاذ النحل والحمام قياسا على الماشية، وعلى أهل القرية حفظ زرعهم وشجرهم‏.‏

فرع‏:‏ قال‏:‏ قال مالك‏:‏ إذا سقط الجدار بينكما وهو لأحدكما لم يجبر على بنائه؛ لأنه لا يجب عليه سترك بملكه، أو لكما جبر الممتنع منكما على البناء مع صاحبه؛ لأنه من أحكام الشركة، وفي العتبية إذا كان لأحدهما فهدمه، أو انهدم بغير فعله وترك رده ضررا - وهو قادر على بنائه، جبر على رده، فإن عجز ستر الآخر على نفسه بالبناء في حقه، وإن هدمه للضرر أجبر على الإعادة، أو هدمه لنفعه ثم عجز أو استغنى عنه لم يجبر، قال ابن حبيب‏:‏ لا يجبر عند ابن القاسم إذا انهدم، ويجبر عند ابن كنانة، وأجمعوا على الإجبار إذا هدمه

للضرر، وعن ابن كنانة لا يجبر إذا كان لهما أيضا؛ لأن الإنسان لا يجبر على تجديد ملكه‏.‏ وفي المجموعة إذا كان بينهما وانهدم بغير فعله لا يجبر ويخير في المشترك بين البناء والبيع والمقاسمة جمعا بين المصالح‏.‏

فرع‏:‏ قال‏:‏ إذا اختلفتما في جدار بينكما وعقد بنائه إليكما فهو لكما بعد أيمانكما، لاسوائكما في السبب، أو لأحدكما فقط فهو له، أو منقطعا عنكما فلكما لاستوائكما، وإن كان لأحدكما فيه كوة فهو لمن فيه مرافقه، وإن كانت الكوة لكما فهو بينكما، ولو كان لأحدكما فيه خشب - ولا عقد لأحدكما، فهو لمن عليه حمله، وإن كان حملكما عليه، فهو بينكما‏.‏ فإن كان لأحدكما عشر خشبات وللآخر سبعة، ترك على حاله لا يزيد أحدكما خشبا إلا برضى صاحبه، وإن انهدم بنيانه جميعا على حاله، ويقال للممتنع‏:‏ بع الدار كلها ممن يبني، واختلف قول سحنون في الحمل هل هو دليل أم لا‏؟‏ وفي كتاب ابن سحنون إذا كان وجه البناء لأحدهما وللآخر ظهره، فهو بينهما ولم يجعل وجه البناء دليلا والحائط لمن له الباب فيه، وإن لم يعلم لمن الباب فهو بينهما نصفان، وقال أشهب‏:‏ إذا كان لأحدهما عليه عشر خشبات وللآخر خمسة أو خشبة فهو بينهما نصفان، وقال‏:‏ من خالفنا هو لصاحب الكثير إلا موضع الخشبة، وقال سحنون‏:‏ في الكوى غير المنفوذة نظر، قال سحنون‏:‏ إذا كان حائط حذوه حائط وعقد أحدهما لأحدكما، وعقد الآخر لجهة الآخر، قضى لكل واحد بالحائط الذي إليه عقده، وإذا أراد من له العقد وعليه حمل لغيره - البناء على الحائط، امتنع إن ضر بحمل الآخر، وإلا فلا، وإذا

كان حائط بينكما فأردت الحمل عليه ما يمنع الآخر حمل مثله عليه يمتنع، إلا أن يأذن لك، وإن لم يمنعه من حمل مثله جاز وإن لم يأذن، قال عبد الملك‏:‏ لا، فإن أردت أن تحمل عليه ما لا يحمل الحائط مثله للآخر ويضعف الجدار وأردت هدمه وبناءه للحمل عليه ما يحمل عليه للآخر مثله، لك ذلك وإن كره؛ لأنك تسعى في مصلحتكما ويبقى الجدار بينكما كما كان، قال سحنون‏:‏ إذا كان لكما عليه خشب وخشبك أسفل من خشبه فأردت رفعه قبالته، لك ذلك وإن كره، فإن أنكر صاحب الأعلى أن يكون لصاحب الأسفل من فوق خشبه شيء صدق مع يمينه؛ لحوزه لما فوق خشب الأسفل‏.‏

فرع‏:‏ قال‏:‏ إذا اعتل السفل وأردت إصلاحه فعليك تعليق الأعلى ببناء أو غيره؛ لأن عليك العمل، وكذلك لو كان على العلو، علق بحمل الأعلى على الأوسط إذا اعتل الوسط‏.‏

فرع‏:‏ قال‏:‏ قال سحنون‏:‏ إذا أردت تلبيس حائطك من دار جارك ليس له منعك؛ لأنه يجب عليه تمكينك من ملكك، كما لو ألقت الربح ثوبك في داره ليس له منعك من الدخول له أو يخرجه إليك‏.‏

فرع‏:‏ قال‏:‏ قال سحنون‏:‏ إذا كانت خربة بين الدور فامتلأت من قمامة الناس

وأضر ذلك بجدار جار الخربة، فطالب صاحب الخربة بإزالة الضرر عنه بالتنظيف، فقال‏:‏ ليس هذا من ترابي لا ينفعه ذلك وينظف؛ لأن الضرر الآن من جهته، وقال أيضا على الجيران كنسه يؤخذ الأقرب فالأقرب على الاجتهاد‏.‏

فرع‏:‏ قال‏:‏ إذا ارتدم السفل من الطريق وضاق عليه مدخله، فعلى صاحب العلو أن يوسع له في هواه وبنيانه بثمن يدفعه إليه قاله‏:‏ ابن عبدوس، وقال أيضا‏:‏ في قناة رجل تجري على آخر فاحتاج الذي تجري عليه القناة لردم داره؛ لأن الطريق علت عليه له ذلك، ويقال لصاحب‏:‏ القناة أعل دارك إن شئت وإلا فلا شيء لك، وقال ابن اللباد‏:‏ القياس ألا يفعل إلا بإذن صاحب القناة لحقه في جري القناة‏.‏

فرع‏:‏ قال‏:‏ قال يحيى بن عمر‏:‏ إذا نقل المطر ترابك فسد به على آخر مخرجه، لا تجبر على نقله؛ لأنه ليس من فعلك بل لك نقله؛ لأنه ملكك‏.‏

فرع‏:‏ قال‏:‏ إذا كانت دار بجنب دار مشتركة فأراد غلق باب الدار المختصة به وفتحه في الدار المشتركة لشريكه منعه لحقه في موضع الفتح قاله‏:‏ مالك، وجوز فتحه في حائط دار نفسك لتدخل دار الشركة، قال‏:‏ وفيه نظر؛ لأنه يطول الأمد فيظن أن فتحه حق على دار الشركة ولو قسمت الدار المشتركة فأردت غلق بابك وفتحه في النصف الذي حصل لك، قال مالك‏:‏ إن أردت الرفق جاز، أو تجعله ممرا للناس امتنع لضرر الشريك في نصفه، قال‏:‏ ومراده أنك تخرج من ذلك الباب إلى باب دارك؛ لأنك تخفف عن صاحب النصف الآخر بعض المرور، فقد كان

لك سكنى نصيبك وتخرج بأهلك منه، أما لو عطلت الخروج من باب دارك امتنع؛ لأن ضرر عيالين أكثر من ضرر عيال‏.‏

فرع‏:‏ في الجواهر يجوز إخراج الرواشن والأجنحة على الحيطان إلى طريق المسلمين؛ لأن عمر - رضي الله عنه - قضى في الأفنية لأرباب الدور، وفسره ابن حبيب بالانتقال من المجالس والمرابط وجلوس الباعة فيها للبياعات الخفيفة دون الحيازة بالبنيان والتحظير والسكة المستدة كالملك المشترك بين سكان السكة يمنع إخراج الجناح إليها وفتح باب جديد فيها إلا برضاهم، ولو فتح باب دار له أخرى إلى داره التي في السكة المستدة ليرتفق به، لا ليجعله كالسكة النافذة جاز‏.‏

قاعدة‏:‏ حكم الأهوية حكم ما تحتها، فهواء الوقف وقف، وهواء الطلق طلق، وهواء الموات موات، وهواء المملوك مملوك، ومقتضى هذه القاعدة أن يمنع بيع هواء المساجد والأوقاف إلى عنان السماء لمن أراد غرس خشب حولها، ويبنى على رءوس الخشب سقفا وبنيانا وأن يمنع إخراج الرواش؛ لأنها في هواء الشارع الذي يمنع فيه الاختصاص، غير أن المنع ثمة لنفي الضرر، وإلا فأصله موات يقبل الأحياء ولا ضرر في هوائه فيجوز التصرف فيه‏.‏

فرع‏:‏ قال‏:‏ قال سحنون‏:‏ لك داران متقابلان على يمين الطريق وشماله، لك أن تبني عليهما سباطا تعمل عليه غرفة ونحوها‏.‏

فرع‏:‏ قال‏:‏ الجدار لك بين الدارين لا يتصرف فيه جارك إلا بإذنك، فإن استعاره

لوضع جذعه عليه لم تلزمك الإعارة؛ لأن الإنسان لا يجبر على دفع ملكه إلا لضرر الغير ولا ضرر هاهنا، ولهذه القاعدة حمل قوله عليه السلام لا يمعن أحدكم جاره من وضع خشبة على جداره على الندب‏.‏ وإذا أعرت لا ترجع إلا لضرورة تعرض لجدارك ولم ترد الضرر؛ لأن العارية تمليك منافع، وروي ليس عليك نزعها وإن طال الزمان احتجت إلى جدارك أم لا، مت أو عشت، بعت أو ورثت، حملا للنهي في الحديث على التحريم ووجوب تمليك المنفعة، وأما الجدار المشترك ليس لأحدكما الانتفاع إلا برضى صاحبه؛ لأنه تصرف في ملك الغير، ويجبر على قسمه عند التنازع الممتنع منهما تحصيلا للانتفاع بالملك، وقال أصبغ‏:‏ لا يقسم إلا عن تراض وبالقرعة لتوقع الضرر في قسمة الجدار، ويجبر الممتنع من العمارة بين العمارة والمقاواة والبيع ممن يعمل، أو يباع عليه من حقه ما به يعمل باقي حقه، ولا تمنع أنت من الانتفاع بحقه لضرره بذلك، وأما ما ينقسم فيقسم بينكما، واختلف في الحائط بينكما يحتاج للاصلاح، قيل‏:‏ يجبر الممتنع نفيا للضرر، وقيل‏:‏ لا بل يصلح من أراد في حقه‏.‏

فرع‏:‏ قال‏:‏ إذا انهدم السفل والعلو جبر صاحب السفل على البناء، أو يبيع ممن يبني حتى يبني صاحب العلو؛ لأن عليه حمل العلو وعليه الخشب والجريد، قال أشهب‏:‏ وباب الدار، قال ابن القاسم‏:‏ وعليه السلم إذا كان له علو حتى يبلغ علوه، ثم على صاحب العلو الأعلى، وقيل‏:‏ على صاحب السفل بناء

السلم إلى حد العلو، فإن كان عليه علو آخر، فعلى صاحب العلو الأوسط بناء السلم من حد العلو إلى سقف الذي عليه علو الآخر؛ لأن الأسفل أبدا عليه الحمل والتمكين من منافع العلو‏.‏

فرع‏:‏ قال‏:‏ ومن له إجراء ماء على سطح غيره، فالنفقة في السطح على مالكه دون صاحب المجرى؛ لأن عليه التمكين، وسقف السفل لصاحب السفل، ولصاحب العلو الانتفاع به، وليس لصاحب العلو الزيادة في البنيان وله رفعه‏.‏

فرع‏:‏ قال‏:‏ يجوز بيع حق الهواء لإخراج الأجنحة من غير أصل يعتمده البناء‏.‏

فرع‏:‏ قال‏:‏ حق المسيل ومجرى الماء وحق الممر وكل حق مقصود على التأبيد؛ لأنه ملك‏.‏

فرع‏:‏ قال‏:‏ إذا انهدمت الرحى فأقمتها وامتنع الباقون، فالغلة كلها لك عند ابن القاسم، وعليك أجرة انصبائهم جزافا‏.‏ وقال عبد الملك‏:‏ الغلة بينكم ولك من أنصبائهم ما أنفقته؛ لأنك تنتفع بملكهم عامرا، وقال ابن وهب‏:‏ أنت شريك بما زاد عملك على جزئك المتقدم في غلة الرحى، ولك أجرة ما أقمت في حصص أصحابك بأن تقوم الرحى غير معمولة فيقال‏:‏ عشرة، وبعد العمل‏:‏ خمسة عشر فلك ثلث الغلة والباقي بينكم، وعلى الذي لم يعمل ما ينوبه من الأجرة للعمل

في قيامه بغلتها، ثم أراد الدخول معك أعطاك ما ينوبه من قيمة ذلك يوم يدفع ذلك إليك‏.‏

فرع‏:‏ قال‏:‏ إذا ادعيت على رجلين دارا فصدقك أحدهما فصالحته على مال، للآخر الأخذ بالشفعة؛ لأن الصلح بيع‏.‏

فرع‏:‏ قال‏:‏ إذا تنازع صاحب السفل والعلو السقف صدق صاحب السفل؛ لأن اليد له كالحمل على الدابة يصدق صاحبها دون الأجنبي، ويصدق راكب الدابة دون المتعلق بلجامها، ولأن البيت لا يكون بيتا إلا بسقفه، ولو كان السفل بيدك والعلو بيد آخر -وطريقه في ساحة السفل - وتداعيتما الدار كلها، قال أشهب‏:‏ الدار لك إلا العلو وطريقه لليد بعد أيمانكما أو نكول كما أو نكول أحدكما، فيقضى للحالف منكما‏.‏

فرع‏:‏ قال‏:‏ من سبق إلى موضع مباح له الجلوس فيه، فلا يزعج منه؛ لأنه أحق بالسبق‏.‏

فرع‏:‏ في الطرق والمساجد، قال‏:‏ وينتفع بالمساجد بالصلاة والجلوس والذكر والقراءة والانشغال بالعلوم الشرعية والاعتكاف، وخفف في القائلة والنوم

فيها نهارا للمقيم والمسافر والمبيت للمار، ولا ينبغي أن يتخذ المسجد مسكنا إلا رجل مجرد للعبادة فيه وقيام الليل، وأرخص مالك في طعام الضيف في مساجد البادية؛ لأن ذلك شأن تلك المساجد، وكره وقود النار، وأجاز العلو مسجدا ويسكن السفل ولم يجز العكس؛ لأن ما فوق المسجد له حرمة المسجد؛ لأن عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه - كان إذا بات على ظهر المسجد لا يقرب فيه امرأة، وأرخص في المرور فيه المرة بعد المرة دون جعله طريقا، وكره دخوله بالخيل والبغال والحمير التي ينقل عليها إليه خشية أرواثها، ولم يكره الإبل لطهارة أبوالها، وكره البصاق فيه على الحصى والتراب ثم يحكه، واتخاذ الفرش للجلوس أو الوسائد للإتكاء؛ لأنه ليس من شأن المسجد، ورخص في الخمر والمصليات والنخاخ؛ لأنه عليه السلام

كانت له خمرة ويمنع تعليم الصبيان ودخولهم له إلا للصلاة لقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم، وبيعكم وشراءكم وخصوماتكم، وسل سيوفكم ورفع أصواتكم، وإقامة حدودكم، وجمروها أيام جمعكم‏)‏‏.‏ ويكره البيع والشراء وسل السيف ورفع الصوت وإنشاد الضالة والهتف بالجنائز وكلاما يرفع فيه الصوت حتى بالعلم؛ لأنه من قلة الأدب عند الأماثل، وعند منازلهم، قال ابن حبيب‏:‏ قد كنت أرى بالمدينة رسول أميرها يقف بابن الماجشون في مجلسه إذا استعلى كلامه وكلام أهل المجلس في العلم، فيقول‏:‏ يا أبا مروان - اخفض من صوتك ومن جلسائك -وقد

قال عليه السلام ‏"‏ لا تمر في المساجد بلحم، ولا تنفذوا فيها النبل بمعنى الإدارة على الظفر ليعلم استقامتها، ولا تزين بالقوارير أي الزجاج، قال ابن حبيب‏:‏ إنا نكره القوارير التي عملت بمسجدنا بقرطبة كراهة شديدة بل ينبغي أن تعمل على باب المسجد؛ لقوله عليه السلام‏:‏ اجعلوا مطاهركم على أبواب مساجدكم‏.‏ وأقبح من ذلك ما فعل بقرطبة من فتح أبواب المياضي في المسجد، بل تفتح خارجه على حدة، وقد نبه الله تعالى على جميع ذلك بقوله تعالى‏:‏ ‏(‏في بيوت أَذن الله أَنْ تُرْفَعَ ويُذكر فيها اسمه‏)‏‏.‏ ورفعها تعظيمها وإجلالها عما لا يليق بها‏.‏

فرع‏:‏ في الكتاب من حفر بئرا بعيدة من بئرك فانقطع ماء بئرك لذلك، فلك ردم بئره نفيا للضرر‏.‏

فرع‏:‏ قال ابن يونس‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ إذا أحدث فوق الرحى القديمة رحى وأضرت ببعض طحن القديمة أو بتكثير مؤنها، أو ضرر بين مع ذلك، فإن أشكل أمرها، أذن له بشرط إن أضرت نقصت، ولو عمل بغير حكم فتبين الضرر

والأول ينظر إليه فلم ينكر، ثم قال‏:‏ ما ظننت أنه يضرني، فإن كان مثله لا يخفى عليه ذلك، لم يسمع قوله، وإلا حلف ما سكت رضى وأزيل الضرر عنه‏.‏ وقال بعض أصحابنا‏:‏ إذا اجتهد الحاكم بقول أهل المعرفة فأذن، ثم تبين الضرر فهو حكم مضى، ولو تركه الأول حتى بنى ثم طلب إزالة الضرر لم يهدم؛ لأنه تركه حتى أنفق النفقة العظيمة، وقيل‏:‏ يهدم ولو خربت رحى فبنى آخر رحى تضر بالأول لو أعيدت إن كان خرابا دائرا لم يمنع، وإن لم يصل الإضرار إلى حد التعطيل، لم يمكن إن أراد الأول إعادة رحاه، وإلا فلا، قال أصبغ‏:‏ فإن ابتدأا رحائين في أرضهما، فلما فرغا أضرّ أحدهما بالأخرى إن تقدم أحدهما بماله بال ثم عمل الآخر فسبقه أم لا منع إن كان المضر، وإن لم يسبق أحدهما لم يمنع، فإن تبين الضرر منعا معا‏.‏

فرع‏:‏ قال‏:‏ لو أذن له في تجربة الماء في أرضه لرحاه ليس له منع ذلك بعد؛ لأنها عطية ما لم تؤقت فلك الرجوع بعد الأمد وإن سمى عارية فله أمد ما كان لمثله‏.‏

فرع‏:‏ قال في الكتاب‏:‏ من حفر حيث لا يجوز له، ضمن ما يعطب في حفيره من دابة وإنسان‏.‏

فرع‏:‏ قال صاحب البيان‏:‏ إذا هارت البئر تمتنع قسمة الزرع مع الأرض؛ لأنه بيع

الزرع قبل طيبه حتى يقتسماه بالكيل بعد الدراس، ويبيع أحدهما نصيبه من الأصل والماء ويقاسمه الأرض، ويجبر الممتنع على العمل مع صاحبه أو المقاسمة‏.‏

فرع‏:‏ قال‏:‏ إذا ملك بجوار جدارك خليجا يجري فيه السيل فهدم جدارك، فعلى صاحبه بناؤه إن كنت لا تسقي منه كسائق الدابة، وإن كنت تسقي منه فلا؛ لأنكما سقتما الماء فيه، قال‏:‏ وأصل المذهب وجوب القيمة في العروض، وبالجدار عرض، وإنما وجب البناء؛ لأن القيمة قد لا تقيم الجدار على حاله فلا ينجبر الخلل فيغرم هاهنا أكثر من القيمة، فهذه المسألة مستثناة من العروض في وجوب المثل كمستهلك فرد من زوج لا تلزمه قيمة بل قيمة ما نقص الجميع، وكجلد استثنى فاستحق المشتري الحيوان، فإنه يقضي فيه بالمثل، وكخرق الثوب خرقا يسيرا قاله بعض الشيوخ في وجوب المثل وليس كذلك؛ لأنه لا يلزمه مثل البناء باليا لتعذر ذلك، وكذلك الرفو هو لم يستهلك رفوا وإنما أخرق الثوب‏.‏

فرع‏:‏ قال‏:‏ بئر بينكما اقتسمتماه ساقيتين فارتفع التراب تحت دلائك حتى تعذر السقي، إن كانت عادة في التنظيف حملتهما عليها، وإلا فالكنس عليكما؛ لأن

ترابك من عنده ومن عندك‏.‏

فرع‏:‏ في النوادر قال مالك‏:‏ إذا نقص ماء البئر أو العين فأراد أحد الشريكين العمل، فإن عمل الآخر وإلا باع ممن يعمل، أو يعمر الطالب، فما زاد عمله فهو له حتى يأخذ نصف النفقة، قال ابن القاسم‏:‏ كل أرض مشتركة من أصول أو زرع هارت بيرها يقال للممتنع‏:‏ اعمل مع صاحبك أو بع حصتك من الأصل فتأخذ حصته أو يأخذ حصتك، فمن أراد عمل أو ترك، ومن عمل له الماء كله حتى يعطيه شريكه ما ينوبه من النفقة وإن كان بينهما، وأما الأرض المقسومة أو الشجر المقسوم أو الزرع لرجل في أرض بينهما مفروز، إلا أن ماءهما واحد فتهور البئر أو تنقطع العين، لا يكلف الممتنع النفقة مع شريكه، فإن عمل الآخر فله الماء كله إلا أن يعطيه نصيبه من النفقة، قال سحنون‏:‏ هذا في البئر التي ليس عليها حياة ولا نخل، أما ما عليها ذلك فيجبر للممتنع على العمل أو البيع ممن يعمل، وإلا يبع عليه، قال مالك‏:‏ إن كان البئر خربا أو العين فلا يجبر الممتنع، إنما يجبر حيث يبقى بقية من الماء، فلو لم يجبر فسدت بقيته فهو ضرر، بخلاف الأول‏.‏

فرع‏:‏ في الكتاب‏:‏ إذا انهارت البئر أو العين فأصلحتهما وأبى شريكك، لك

منعه الماء إن كان فيه فضل حتى يعطيك نصيبه من النفقة؛ لأن الماء نشأ عن نفقتك، كما ينشأ عن ملكك، وإذا احتاجت البئر للكنس أو القناة وتركه ينقص الماء أو لا يكفي ماؤها مريد الكنس، فلمريد الكنس الكنس وهو أولى بما زاد الماء بكنسه دون الشريك حتى يؤدي نصيبه من النفقة، وكذلك بئر الماشية‏.‏ قال ابن يونس‏:‏ وقع في المستخرجة إذا استدت القناة في أولها ينقيها الأولون دون من بعدهم، أو في آخرها ينقيها الأولون مع الآخرين وهذا إنما يصح في قناة المرحاض؛ لأنها إذا استدت في أولها يكون باقيها غير مسدود، فالضرر يختص بالأولين، وفي آخرها يتضرر الجميع بانحباس اتفال الأولين والآخرين، وأما قناة الزرع والطاحون يتضرر الجميع بانسداد أولها، فالإصلاح عليهم وأي من تم نفعه ببعض الإصلاح كان بقية الإصلاح على الثاني، فإن كمل نفع الثاني، فعلى الثالث، ثم كذلك، وعلى قول ابن القاسم يقال للشريك‏:‏ عمر أو بع حصتك من الأرض أو قاسمه إياها، قال ابن نافع‏:‏ هذا في البئر ليس عليه إحياء زرع ولا نخل ولا غيره، فلا يجبر على الإصلاح كصاحب السفل مع صاحب العلو، وقال أشهب‏:‏ إذا كان البئر يخشى خرابه، يجبر الشريك نفيا للضرر، وإن كان خرابا لم يجبر؛ إذ لا يترتب على عدم العمارة خراب، ومن أعمر فهو أحق بالماء حتى يعطيه الآخر حصته من النفقة، فيكون الماء بينهما في المستقبل، ولا شيء عليه فيما مضى؛ لأنه أسقط حقه بعدم الموافقة، وعن مالك إن قل الماء فيبقى ما يكفي أحد الشريكين وصاحب القليل دون صاحب الكثير لا يجبر صاحب القليل ويعمل الآخر، ولصاحب القليل بقدر حصته

قبل العمل حتى يعطي حصته من النفقة، قال ابن نافع‏:‏ قال مالك‏:‏ يعطيه حصته من النفقة يوم أنفق، وإنما أقول قدر قيمة العمل فيقوم يوم يقوم وقد بلي؛ لأنه من اليوم تملكها، فلا يحسب عليه جديدا، لئلا يؤخذ منه ثمن ما انتفع به غيره، وفي المسألة أربعة أقوال‏:‏ قول انهارت البئر أو نقصت لمريد الإصلاح الإصلاح وهو أحق بالماء حتى - يعطيه شريكه حصته، فإن كانا شريكين فيما يسقى من نخل أو كرم خير الممتنع بين العمل والبيع والمقاسمة في الأصل فيعمل من أراد أن يكون له الماء كله حتى يعطيه الآخر حصته من النفقة، وقيل‏:‏ إن كانا شريكين فيما يسقى به، لم يخير الممتنع بين العمل والبيع كصاحب السفل والحائط بين الرجلين، إلا أن يكون بئر لا حياة عليه، وقيل‏:‏ إنما يؤمر بالعمل إذا لم يخرب البئر، أما الخراب فلا، وقيل‏:‏ إن كانت أرض من الزرع لا تنقسم - وقد زرعاها جبر الممتنع على البيع لتعذر القسمة، وإن لم تكن مزروعة وفيها نخل لا ثمر فيها حتى تجوز قسمتها، خير بين القيمة والبيع والعمل، وإن كان النخل منقسما ولم تبق الشركة إلا في غيرها فيحتمل أن يكون هو المراد بقوله لا يجبر على العمل، بل يعمل صاحبه وهو أحق بما زاد الماء لعدم الشركة في الأصول، فلا يكلف بيع أصوله لشركتهما في البئر، وظاهر كلام سحنون أنهما سواء ويخير بين العمل والبيع كالسفل والعلو والحائط بينهما، وقد اختلف في الرحى تنهد فيقال للأبي‏:‏ إما أن تبني أو تبيع، فلو عمل أحدهما واغتل غلة كثيرة قال ابن شعبان‏:‏ للعامل من الغلة بقدر ما انفق وما كان له قبل أن ينفق، والبقية للآخر، وعن ابن القاسم‏:‏ الغلة كلها للمنفق حتى يدفع قيمة ما عمل كالبئر يغور ماؤها، وعنه يستوفي من الغلة نفقته ثم يكون بينهما، واختار عيسى أن الغلة كلها للعامل وعليه كراء

نصيب الآخر فيما هو باق قبل العمارة، وله دفع حصته من النفقة والدخول معه، إلا أن يكون بحدثان العمل، فالأشبه قول ابن دينار وقول عيسى، قال اللخمي‏:‏ المجراة إما من أول العين إلى المغلق أو بين البساتين أو موضع مصالة الماء، فالأول على عددهم عند ابن القاسم، وعلى الأنصباء عند أصبغ، وإذا استدت من الأول إلى الثاني فالإصلاح على الأول؛ لأنه من سببه وإن استدا جميعا، قيل‏:‏ يغرم الأول مع جميعهم، والثاني مع الثالث فيغرم كل واحد مع ما بعده إلى آخرهم‏.‏ وقال يحيى بن عمر‏:‏ يغرم كل واحد ما يكون منه إلى ما يليه خاصة لا يشارك أحدا ممن قبله، وإن كان السد في المصالة خارجا عن جميعهم، فهو منهم، وما حدث بين البساتين مما نزل من العين فإزالته على من هو عنده إلى من بعده دون من قبله إذا لم يكن عنده سد، وأرى إذا كان السد من سببهم قسمت النفقة على قدر ما يرى أن لكل واحد فيه، واختلف في قنوات الديار‏:‏ قال سحنون‏:‏ الكنس على الأول حتى يبلغ الثاني، ثم الأول والثاني حتى يبلغ الثالث، ثم الجميع حتى يبلغ الرابع هكذا حتى الأخير، وفيه خلاف، وكنس قناة المطر على عدد الديار، وقناة الاتفال على عدد العيال، وإن كان سفل وعلو وتجتمع الأتفلال في بئر السفل والبئر شركة، فالكنس على عدد الجماعة، فإن كانت ملكا لصاحب السفل فعلى صاحب السفل عند ابن القاسم وأشهب؛ لأنه ملكه كما يصلح السقف لصاحب العلو وعلى عدد الجماجم عند ابن وهيب؛ لأنها اتفالهم وإصلاح ما فسد من رقبة البئر على صاحب

السفل؛ لأنه ملكه، وبئر السفل إصلاح ما يكنس فيه من المجرى عليهما؛ لأنه منهما، وما نقص بسبب الدار أو من الرمل فعلى صاحب السفل، فإن امتنع وتعطل أصلح صاحب العلو وهو أحق بمائه حتى يعطيه ما أنفق‏.‏

‏(‏كتاب العارية‏)‏

وفيها مقدمة وبابان،

المقدمة‏:‏ في لفظها، العرب وضعت لأنواع الإرفاق أسماء مختلفة، فالعارية لتمليك المنافع بغير عوض، وبعوض هو الإجارة، والرقبى إعطاء المنفعة لمدة أقصرهما عمرا؛ لأن كل واحد منهما يرقب صاحبه، والعمرى تمليك المنفعة مدة عمره، والعمر بضم العين وفتحها‏:‏ البقاء‏.‏ فهما أخص من العارية، والإفقار‏:‏ عرية الظهر للركوب، مأخوذ من فقار الظهر وهي عظام سلسلته، والإسكان هبة منافع الدار مدة من الزمان، هذه أسماء الإرفاق بالمنافع‏.‏ وفي الأعيان‏:‏ الهبة‏:‏ تمليك العين لوداد في مدة الحياة، احترازا من الوصية، والصدقة تمليكها لثواب الآخرة والمنحة هبة لبن الشاة، والعرية هبة ثمر النخل، والوصية تمليك بعد الموت، والعطاء يعم جميع ذلك، فهذه عشرة أسماء‏.‏

الأول ‏(‏في أركانها وهي أربعة‏)‏‏:‏

الركن الأول‏:‏ المعير، وفي الجواهر لا يعتبر فيه إلا كونه مالكا للمنفعة غير محجور عليه في التبرع؛ لأن العارية تبرع فتصح من المستعير والمستأجر، وفي

الكتاب لا يعير العبد إلا بإذن سيده‏.‏

الركن الثاني‏:‏ المستعير، وفي الجواهر لا يعتبر فيه إلا كونه أهلا للتبرع عليه‏.‏

الركن الثالث‏:‏ المستعار، وفي الجواهر له شرطان‏:‏ الشرط الأول أن يكون منتفعا به بعد بقائه، فلا معنى لإعارة الأطعمة ونحوها من المكيلات والموزونات، بل ذلك قرض لا يردها إلا بعد استهلاكها، وكذلك الدنانير والدراهم، قال اللخمي‏:‏ إن أعارها لصيرفي ليقصده لزبون أو لمدبان لتقف عنه المطالب فتظن به المالية يضمن، إلا أن تقوم البينة على تلفها أو ردها، وإن استعارها ليتصرف فيها ضمنها بالقرض؛ لأنها قرض إلا أن يقول أتجر فيها ولك الربح ولا خسارة عليك، فهو كما قال‏:‏ وفاء بالشرط إذا ادعى الخسارة فيما يشبه، ولا يصدق في الضياع إلا أن تقول وأنت مصدق في الضياع أو يقول هي على حكم القراض إذا لم يكن ربح - قاله ابن القاسم وأشهب، وقال سحنون‏:‏ يضمن الخسارة، وعلى هذا يجري الجواب في عارية المكيل والموزون، وفي الكتاب‏:‏ من استعار دنانير أو فلوسا فهو سلف مضمون، ومن حبس عليك مائة دينار لتتجر بها أمدا معلوما ضمنت نقصها كالسلف، وإن شئت قبلتها أو رددتها فترجع ميراثا‏.‏

الشرط الثاني‏:‏ أن تكون المنفعة مباحة شرعا، فلا تعار الجواري للاستمتاع، ويكره استخدام الإماء، إلا من المحرم، أو النسوان أو غير البالغ الإصابة من الصبيان، ويمتنع استخدام أحد الأبوين بالعارية، بل تكون منافعهما لهما حينئذ دون

ولدهما، ولا يعار العبد المسلم من الكافر، قال اللخمي‏:‏ من صح ملكه من الأقارب جاز استخدامه، ومن لا فلا، ومنافعه له دون من وهبت له‏.‏ وتجوز عارية الأمة لمن حرمت عليه بوطء القرابة وللأجنبي المأمون المتأهل، فإن فقدت الأمانة أو التأهل امتنع لقوله عليه السلام‏:‏ من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخلون بامرأة ليس بينه وبينهما محرم‏.‏ فإن نزل مضى وبيعت الخدمة من مأمون أو امرأة إن لم يقصد المعير عين المستعير، ولو علم أن أمته تسلم لغيره لم يعرها، فله الرجوع فيها‏.‏

الركن الرابع‏:‏ ما تقع به العارية من قول أو فعل، وفي الجواهر هو كل ما دل على نقل المنفعة بغير عوض، قال اللخمي‏:‏ وثم هبات متقاربة اللفظ مختلفة المعنى حمل بعضها على هبة الرقاب، وبعضها على هبة المنافع، فيحمل قولُه أسكنتك وأخدمتك وأعمرتك على منافع المخدم والمسكن، ويحمل كسوتك هذا الثوب، وحملتك على هذا البعير أو الفرس على هبة الرقاب‏.‏ وفي الجواهر إذا قال‏:‏ أعني بغلامك يوما وأعينك بغلامي يوما ليس بعارية بل إجارة، واحد العملين أجرة الآخر، واغسل هذا الثوب استعارة لبدنه، وإن كان شأنه الأجرة في عمله استحقها‏.‏

الثاني في أحكامها‏:‏

وهي مندوب إليها لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏وافْعَلُوا الخَيْرَ‏)‏ ولقوله تعالى‏:‏ ‏(‏

لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس‏)‏‏.‏ كل معروف صدقة، وقيل في قوله تعالى‏:‏ ‏(‏ويمنعون الماعون‏)‏ أنه ماعون البيت، وقيل‏:‏ الزكاة لقرينة الذم، قال اللخمي‏:‏ وتحرم إذا كانت تستعمل في محرم؛ لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏ولا تعاونوا على الإثم والعدوان‏)‏ فلا تعار الدابة لمن يركبها لضرر مسلم‏.‏

فرع‏:‏ قال الطرطوشي في تعليقه‏:‏ العارية والرهن والأجير المشترك سواء في الضمان وعدمه، فإن قامت البينة فقولان - كان مما يغاب عليه أم لا، والمذهب عدم الضمان، وإن لم يعلم الهلاك إلا من قوله، ضمن ما يخفى كالثياب اتفاقا، وفيما لا يخفى كالحيوان قولان، وضمن ‏(‏ش‏)‏ مطلقا، وعكس ‏(‏ح‏)‏ مطلقا، ومنشأ الخلاف النظر إلى خلوص المنفعة للمستعير فيضمن، أو إلى أنها قبض بإذن المالك من غير عوض فلا يضمن، أو ملاحظة شبه الأصلين، احتج ‏(‏ش‏)‏ بما في أبي داود أن صفوان بن أمية قال‏:‏ قال لي عليه السلام

بعد فتح مكة هل لك من سلاح أو أدرع في غزوة حنين‏؟‏ فقلت‏:‏

أغصبا يا رسول الله أم عارية‏؟‏ فقال عليه السلام‏:‏ بل عارية مضمونة مؤداة؛ ولقوله عليه السلام‏:‏ على اليد ما أخذت حتى تؤديه‏.‏ واستعار بعض نسائه قصعة فغرمها عليه السلام - ولأنه قبض لينتفع من غير إذن في إتلاف فيضمن كالغصب والسوم والقرض

وقبض البيع الفاسد؛ ولأن كل قبض لو كان من الغاصب أوجب الضمان فإذا كان من المالك يوجبه؛ لأن المستعير من الغاصب، وهو يظنه مالكا، والمستام من المالك يضمنان ولا يرجعان على الغاصب كالغاصب بخلاف المستأجر والمستودع والموصى بخدمته لا يضمنون من المالك، وإن ضمنهم المالك إذا قبضوا من الغاصب رجعوا على الغاصب؛ لأنها ليست جهات ضمان بخلاف المستعير لا يرجع على الغاصب إذا ضمنه المالك، وهذه النكتة قوية جدا تقضي على مدارك عدم الضمان؛ ولأن اليد إن كانت يد ضمان ضمن ما لا يغاب عليه كالغاضب أولى، فلا يضمن كالوديعة، والجواب عن الأول أنه روي قلت يا رسول الله‏:‏ أعارية مضمونة أم عارية مؤداة‏؟‏ فقال‏:‏ ‏"‏بل عارية مؤداة‏"‏ فنفى عنها الضمان، وتحتمل تلك الرواية أن تكون التزاما للضمان لا إخبارا عنه فلا يتعدى لغيره، وروي أنه كان وديعة عنده لأهل مكة وعارية لمالا يملك يضمن، أو معناه مضمونة الرد احترازا من الغصب، فإنه لم يلتزم رده، ويحمل قوله مؤداة على نفس الدفع ومضمونة على حمل مؤونة الرد من الأجرة وغيرها فلا تلغى إحدى العبارتين، وفي الحديث فقدت بعض أدراعي فقال‏:‏ ‏"‏إن شئت ضمناها لك‏"‏ ولو كان الضمان صفة للعارية لم يعلق على مشيئته، وإنما ضمنها حسن عشرة وترغيبا له في الإسلام، أو مضمونة إذا لم يثبت هلاكها، أو غير مضمونة إذا ثبت، أو مضمونة؛ لأنه أخذها بغير إذنه لمصلحة المسلمين؛ ولذلك قال أغصبا يا محمد‏؟‏ وعن الثاني إن على اليد يحتمل ضمان التلف وضمان الرد والثاني متفق عليه فيحمل عليه؛ لأن حمل كلام الشرع على المجمع‏.‏

عليه أولى ولأن ضمان التلف يلزمه ضمان الرد من غير عكس فهو الثابت في جميع الضرر فيحمل عليه تكثيرا لفوائد كلام الشرع ولأن الضمير في تؤديه عائد على العين لا على القيمة، وعن الثالث أنه روي أنه كان فيها طعام فسقطت من يدها فانكسرت، وهو موجب للضمان عندنا وقيل أهدتها إليه بعض أزواجه فاستلذ الطعام فغارت عائشة رضي الله عنها فكسرتها عمدا، أو يكون غرمها حسن عشرة، وعن الرابع إن الأجزاء في تلك الصورة مضمونة بخلاف العارية والغصب عدوان وبقية الصور تعويض بخلافها، وعن الخامس أنه ممنوع لأنا لا نضمن المستعير من الغاصب والمستوهب والمشتري إذا لم يعلموا وهلك بأمر سماوي، وإنما يتبع المالك الغاصب، وإن تلف بفعلهم وهم لا يعلمون رجع أيضا على الغاصب إن كان مليئا، أو معدما رجع عليهم، ولا يرجعون عليه إنما يلزم هذا الحنفية؛ لأنهم يسلمونه ثم هي منقوضة بالأجزاء للمستعير من الغاصب يضمنها ومن المالك لا يضمنها، ثم يضمنون المستودع من الغاصب بخلاف المالك، وعن السادس إن اليد يد أمانة من جهة الأذن وعدم العوض ويد ضمان من جهة أنه قبض لحق نفسه بخلاف الوديعة ففارق الغاصب بالإذن والبيع الفاسد والمستام بالعوض والوديعة بأنه ينتفع فقوبت شائبة الضمان فيما يغاب عليه بالتهمة فضمناه، وشائبة الأمانة بظهر العين فلم نضمنه فالضمان وعدم الضمان لكل واحد من المجموعين لا باليد من حيث هي يد فلا يلزم من كون اليد غير مضمنة إلا يضمن وعنه ليس على المستعير غير المغل ضمان يعني المعتدي من الغلول؛ لأنه يقال غل وأغل، وبالقياس على العبد الموصى بخدمته والعين المستأجرة، وقياسا للجملة على الأجزاء بجامع الأذن‏.‏

فرع‏:‏

، قال ابن يونس‏:‏ قال ابن القاسم إن ادعى الهلاك، أو السرقة، أو الحرق، أو الكسر ضمن وعليه فيما أفسد فسادا يسيرا ما نقصه، أو كثيرا ضمن قيمته كله؛ لأن الأقل تبع للكثير إلا أن تقوم بينة إن هلاكه من غير سببه؛ لأن الضمان كان للتهمة ومتى فرط ضمن فإن استعارها بلجامها وسرجها، فقال ضاعت بعدتهما قال محمد‏:‏ ضمن السرج واللجام دونها؛ لأنها يغاب عليهما‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ قال ابن حبيب‏:‏ إن استعار بازيا للصيد فزعم أنه مات، أو سرق، أو طار صدق مع يمينه؛ لأنه حيوان‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ فإن اشترط الضمان في الدابة بطل الشرط لمخالفته للعقد في الحيوان إلا أن يخاف ربها من لصوص في الطريق ونحوه فيضمن إن هلكت فيما يغاب عليه وإلا فلا ولم يضمنه أصبغ مطلقا‏.‏

فرع‏:‏

قال اللخمي‏:‏ العواري خمسة أقسام‏:‏ ما لا يبان به كالديار، وما يبان به ولا‏.‏

يغاب عليه كالسفن فغير مضمونين، وما يغاب عليه وهو مستقل كالعبيد والدواب فهل يضمن خلاف، وما يغاب عليه وليس مستقلا بنفسه كالثياب والحلي، والخامس المكيل والموزون فهما مضمونان، فإن سقطت الدار، أو بيت منها لم يضمن ويصدق أنه ليس من فعله ويصدق في النقض بعد سقوطه؛ لأنه لم يدخل على الضمان، فإن تبين أنه لم ينهدم بنفسه لجدته ولا مطر ولا غيره مما يقتضي الهدم لم يصدق أنه انهدم بنفسه، ولو لم ينهدم فلا يصدق في تلف أبواب البيوت وإغلاقها بخلاف باب الدار وحلقه؛ لأنه ينام داخلها ويجهل ما حدث ويصدق في غرق السفينة وسرقتها وأخذ العدو إياها فيما دون آلاتها من المراسي والقلوع ونحوها، إلا أن يتبين صدقه، أو كذبه والمشهور في العبيد والدواب عدم الضمان لاستقلالها وعن مالك يضمن؛ لأن الغالب تصرف الإنسان بها، وقيل لا يصدق فيما صغر لخفائه إذا غيب عليه فعلى الأول لا يضمن الدابة، ويضمن سرجها ولجامها ولا يضمن العبد ولا كسوته؛ لأن العبد حائز لما عليه ويصدق في موته وفي تكفينه في الذي عليه ولا يصدق في زيادة يرجع بها، ولا في موت الدابة، أو العبد في موضع لا يخفى ذلك فيه، بخلاف هروبهما، إلا أن يدعيه بحضرة بينة فتكذبه وهم عدول لتبين كذبه، أو غير عدول لم يضمن ويحلف، وإن شهد عدل حلف المعير أنه شهد بحق وأنه لم يذهب ذلك بحضرته ويغرم وعلى أحد قولي مالك أنه لا يحلف مع الشاهد إذا شهد فيما هو غائب عنه يحلف المستعير أنه لا علم عنده من صحة الشهادة وإلا قال ابن القاسم وأشهب إذا شرط أنه مصدق في الثياب ونحوها لقوله، المؤمنون عند شروطهم؛ ولأن الأصل عدم الضمان وعلى قول سحنون فيمن أعطى لك مالا ويكون لك ربحه ولا ضمان عليك يسقط شرطه بسقط الشرط ههنا، وقال ابن القاسم شرطه ساقط في الدابة ولا يضمن، وقال‏.‏

أشهب عليه أجرة المثل فيما استعملها فيه ورآها إجارة فاسدة، وعلى هذا ترد قبل الاستعمال، ويجري فيها قول ثالث يخير المستعير قبل الاستعمال إن أسقط الشرط وإلا ردت، فإن فاتت بالاستعمال لم يضمن شيئا لعدم دخوله على إجارة، وإنما وهب المنافع وقول رابع صحة الشرط إلا أن أحد قولي مالك أنه يضمن وقد دخلا عليه، وإذا أحضر الثوب باليا فلا شيء عليه إلا ألا يحسن ذلك في تلك المدة إلا عن سرف في اللباس فيغرم الزائد على المعتاد إلا أن يعلم أن ذلك شأن هذا المستعير فقد دخل عليه ويضمن الخرق والحرق والسوس؛ لأنها إنما تكون على الغفلة وإذا استعار السيف للقتال فأتى به وقد انقطع ضمنه إلا أن تقوم بينة أنه كان معه في اللقاء، وضمه سحنون إلا أن تقوم بينة أنه ضرب به ضربا يجوز له، وقال مطرف يصدق أنه أصابه مما استعاره له وكذلك الفأس والعجلة، ويصدق في الرحى إذا حفيت اتفاقا؛ لأنه شأن الطحن قال صاحب النوادر ضمنه ابن القاسم في الفأس والسيف والمصحف ولم يضمنه أصبغ إذا أتى بما يشبه وعن ابن القاسم إذا باع رداءه ونقد الثمن، وقال للمشتري‏:‏ اذهب للبيت آخذ علي شيئا وآتيك بالرداء مصيبته من المشتري‏.‏

فرع‏:‏

قال صاحب النوادر‏:‏ قال مطرف إذا رد الدابة مع غلامه، أو أجيره، أو جاره فعطبت لا يضمن؛ لأن ذلك شأن الناس وقاله ‏(‏ح‏)‏، ويصدق الرسول أنها تلفت، أو سرقت كان مأمونا أم لا‏.‏

فرع‏:‏

في الجواهر لا يضمن المستعير من المستعير إلا حيث يضمن المستعير من المالك والمستعير من الغاصب يضمن إذا تلفت العارية تحت يده‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا استعارها ليركبها حيث شاء فركبها إلى الشام، أو إفريقية لا يضمن إن كان وجه عاريته، وإلا ضمن لعدم الأذن‏.‏ قال اللخمي‏:‏ قال أشهب‏:‏ إن كان ذلك من أسفاره فلا شيء عليه، قال‏:‏ وأرى إن كان شأن الناس التصرف في ذلك البلد ركوبا حملت عاريته على البلد حتى يذكر غيره وإلا حملت على الخروج ولا يبعد إلا أن يكون عادة المستعير‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ لما رجعت زعم أنه أعارك إلى دون ما ركبتها، أو بلد آخر صدقت مع يمينك إن ادعيت ما يشبه؛ لأن الأصل عدم التعدي وعليك كراء فضل ما بين الموضعين؛ لأن الأصل عدم الأذن في الزيادة وكذلك اختلافكما في الحمل، وإن استعرت مهرا فحملت عليه بزا لم تصدق؛ لأن العادة خلافه، بخلاف البعير، قال صاحب النكت‏:‏ قيل‏:‏ يصدق في دفع الضمان والكراء جميعا؛ لأنه إذا صدق في أصل المنفعة فعوضها أولى وإلا تناقضت الأحكام والفرق بين هذه وبين مسألة ابن القاسم في الرسول يكذب فيما أمره به المستعير من المسافة فيضمن المستعير الدابة إذا لم تقم بينة على ما أمر به الرسول إن المستعير لا يدعي الكذب من رب الدابة لعدم عمله بما قاله الرسول وهنا أنتما متداعيان فلا يصدق عليك فإن قامت بينة بما أمر به الرسول سقط ضمانك وضمن الرسول لتعديه، وإن أقر الرسول بالتعدي ولا بينة له على عقده مع الرسول فههنا يغرم الرسول التعدي، فإن كان معدما رجع عليك وترجع أنت على الرسول لإقراره بالتعدي وإذا لم يقر بالتعدي، وضمنت حلف المعير أنه عاقد الرسول على ما ذكر إن لم تكن بينة على العقد، وإلا فلا يمين على المعير، قال ابن يونس‏:‏ قال ابن القاسم يصدق المعير قبل الركوب مع يمينه في أصل المسألة؛ لأن الأصل عدم الأذن وقيل إذا هلكت الدابة بعد يومين فقال أعرت يوما وقلت يومين حلفتما جميعا؛ لأن كليكما مدع على صاحبه الأذن وهو الغرم ويلزمك كراء اليوم الثاني؛ لأن الأصل عدم الأذن فيه ولا يلزمك الضمان؛ لأن الأصل عدمه وإذا استعرت برسول إلى برقة فقال المعير بعد ركوبك إنما أعرت إلى فلسطين يمتنع شهادة الرسول لك؛ لأنه شهد على فعل نفسه وتحلف أنت ولا تضمن ويحلف هو وله ما بين الكرائين؛ لأن الأصل بقاء حقه في منافعه قال ابن القاسم ولو قال له الرسول إلى فلسطين فعطبت معك في برقة وأنت لا تدري إن أقر الرسول بالكذب ضمنها، وإن قال بل أمرتني وأكذبته لا يشهد عليك؛ لأنه خصم وتحلف ولا ضمان عليك، وفي كتاب محمد يضمن إلا أن يثبت أنك أمرته ببرقة والأول أصوب قال أشهب إن شهدت لك ببينة إن الرسول قال له إلى فلسطين فله‏.‏

فضل الكراء بغير يمين لقيام البينة ولا ضمان عليك وتحلف لأنك تقول إذا دخلت على برقة فلم أتعد وإذا أقر بالمخالفة ضمن الدابة دونك إن كانت مسافة برقة أشد في التعب وإلا فلا ضمان عليك؛ لأن لك الذهاب بها إلى مثل ما استعرت‏.‏

فرع‏:‏

قال ابن يونس‏:‏ في المدونة‏:‏ ادعيت العارية وادعى الكراء صدق؛ لأن الأصل عدم التبرع إلا أن يكون مثلك لا يكري، قال أشهب إذا اختلفتما في الحمل صدقت فيما يشبه مع يمينك، قال اللخمي‏:‏ إذا اختلفا في الناحية خير المستعير في الركوب لما قاله المعير، أو ينزل إلا أن يخشى رواحه إلى الناحية الأخرى فلا يسلم له شيء، قال ابن القاسم‏:‏ إذ استعار العبد، أو الحر حليا لأهله فهلك وجحد أهله إرساله وقد هلك قبل الوصول إليهم حلفوا ما أرسلوه؛ لأن الأصل عدم إرسالهم وحلف الرسول إذا كان حرا لقد بعثوه وبروا بتصديق المعطي للرسول، وإن صدقوه ضمنوا دونه، وإن أقر الرسول بالتعدي وهو حر ضمن، أو عبد ففي ذمته حتى يعتق إذا أفاد مالا ولا تكون في رقبته لإذن المعطي فلا جناية حينئذ، وإن أقر الرسول بإيصاله لهم لم يضمنوا ولا هو ويحلفوا، وقال أشهب إذا قال العبد أرسلني سيدي وسلمت إليه وأنكر السيد فهي في رقبته؛ لأنه قد يتحيل على أموال الناس، قال ابن القاسم إن أقر السيد غرم لإقراره، وإن أنكر ففي رقبة العبد لخديعته القوم، وقاله مالك في الحر أنه ضامن، قال‏:‏ وأرى إن كان الرسول معروفا بالصلاح، أو سديد الحال يحلف ويبرأ، أو على غير ذلك والذي ادعى عليهم أهل خير حلفوا وغرم الرسول إن كان من سببهم ومتصرفا لهم، وإلا فلا يحلفون‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا استعارها للحنطة فحمل الحجارة فكل ما حمل وهو أضر بها منه فعطبت ضمن، أو مثله في الضرر لم يضمن كعدس مكان حنطة ولو ركب مكان الحنطة، وهو أضر ضمن وإلا فلا، أو لركوب فأردف من تعطب بمثله خير بين كراء الرديف فقط؛ لأنه إذا أخذ أجرة المنفعة لا يأخذ الثمن للرقبة لئلا يجمع بين العوض والمعوض، أو يضمنه قيمة الدابة يوم الإرداف؛ لأنه يوم التعدي وكذلك إذا تجاوز المسافة فعطبت خير بين قيمة الرقبة يوم التعدي، أو كراء التعدي فقط، قال ابن يونس‏:‏ قال أشهب لا يلزم الرديف شيء وإن كان المستعير معدما؛ لأنه ركب بإذن مالك المنفعة بالعارية وذلك شبهة قيل هذا خلاف لابن القاسم بل عليه الكراء في عدم المستعير كالغاصب يهب سلعة فتهلك فيغرم الموهوب في عدم الغاصب، وهذا لم يعلم أنها مستعارة وإلا فهو كالمستعير تضمن أيها شئت لدخولهما على التعدي قال بعض الشيوخ‏:‏ لم يراع كون المسافة التي تجاوز إليها يعطب في مثلها أم لا كما في الزيادة بل ضمنه مطلقا وهما سواء ويضمن لعدم الأذن، قال والفرق إن الحمل وقع الهلاك فيه بالمأذن وغيره، وفي المسافة بغير المأذون فقط يشكل هذا لقوله في الكتاب فيمن أذن في ضرب عبده عشرة فضربه أحد عشر يضمن إن خاف إن الزائد أعان على قتله، قال وفي الكتاب إذا تجاوز المسافة نحو ميل ثم رجع ليردها لربها فعطبت في موضع الأذن ضمن لتقدم التعدي الموجب للضمان فلا يبرأ منه إلا بالتسليم، وإن تجاوز إلى مثل منازل الناس فلا شيء عليه وقال عبد الملك لا يضمن كقول مالك‏.‏

في الوديعة ترد بعد السلف ثم تسرق فكذلك ردها لموضع الأذن‏.‏

القاعدة‏:‏ أسباب الضمان ثلاثة الإتلاف كخرق الثوب والتسبب في الإتلاف كحفر البئر لوقوع الحيوان، أو وضع يد غير مؤمنة كيد الغاصب والمشتري شراء فاسدا وهو خير من قولنا وضع اليد العادية فإن هذه الأيدي الأخر ما وضعت إلا بإذن وهي قاعدة مجتمع عليها فتخرج عليها هذه الفروع‏.‏

فرع‏:‏

قال اللخمي‏:‏ إذا اختلفا في الرد صدق المعير مع يمينه عند ابن القاسم في كل ما لا يصدق في ضياعه أخذه ببينة أم لا؛ لأن ما يصدق في تلفه كالدين في الذمم، وقال عبد الملك‏:‏ يصدق الصانع في الرد إذا أخذ بغير بينة بخلاف التلف فعلى هذا يصدق في العارية وقد تقدم في كتاب الإجارة أربعة أقوال في الرد فلتطالع من هناك، وإذا اختلفا في صفة العارية وقد ضاعت صدق المستعير مع يمينه ما لم يأت بما لا يشبه؛ لأنه غارم، وقال مالك‏:‏ إذا قالت المرأة استعملت الحلي زمانا طويلا ونقص تحلف ويحط ما يرى أنه نقص في تلك المدة‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ في ضمان الرهن يوم الارتهان، أو يوم الضياع قولان، وتتخرج العارية على ذلك والثاني أحسن؛ لأن اليد غير مضمنة فتجب القيمة لآخر يوم رأته البينة عنده لم ير عنده من يوم استعاره فقيمته يوم الاستعارة؛ لأن المعير لا يصدقه في بقائه عنده إن كانت قيمته أكثر وإلا فله الأخذ بالأكثر، ويصدقه في البقاء إلى اليوم ولو ثبت أن المستعير أهلك ذلك الثوب قبل لبسه لم‏.‏

يغرم إلا القدر الذي يبقى منه بعد لبسه مدة العارية؛ لأن ما ينقص بالاستعمال لا يغرمه وقد استحقه بالعقد، ولو باعه كان الثمن بينهما؛ لأنه شريك بعقد العارية فإن أهلكه المعير بعد قبضه منه فهل يغرم قيمته، ويستأجر المستعير من القيمة مثل الأول، أو يشتري مثله، أو يغرم قيمة تلك المنافع قياسا على من أخدم أمة ثم أولدها وقيمة المنفعة الأولى؛ لأنها الفائتة على المستعير فإن أهلكها قبل القبض فعلى قول ابن القاسم هو بمنزلة من قبض وعلى قول أشهب لا يغرم كالواجب يبيع الثوب قبل القبض فإن أهلكها أجنبي فهما في القيمة شريكان إن كانت ثوبا؛ لأنه مما ينقصه الاستعمال، فإن كان لا ينقصه الاستعمال كالعبد فلسيده جميع القيمة عند ابن القاسم، وقال أشهب في الموصى بخدمته لرجل وبرقبته لآخر تجعل قيمته في مثله ويخدم بقية خدمته للأول إن كانت إلى أجل فإليه أو إلى الموت فإليه، وقال محمد‏:‏ في موصى له بغلة دار، أو سكناها يهدمها رجل بعد موت الموصى عليه ما بين قيمتها قائمة ومهدومة تبنى بها تلك الدار، ويكون الموصى له على أجله توفيه بالوصية وقيل يسقط حقه في البناء؛ لأنه عين أخرى غير الموصى بها‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ أذنت له أن يبني في أرضك، أو يغرس فلما فعل أردت إخراجه ليس لك ذلك في مدة تشبه العارية إلا أن تعطيه ما أنفق، وقال في موضع آخر قيمة ما أنفق وإلا تركته إلى ما يشبه عاريته فتعطيه قيمة البناء مقلوعا؛ لأنه دخل على القلع، أو تأمره بقلعه إلا أن يكون لا قيمة له ولا نفع‏.‏

فلا شيء؛ لأنك لم تأخذ منه ما له فيه غرض صحيح، وكذلك لو ضربت أجلا فانقضى لكن ليس لك إخراجه ههنا قبل الأجل، وإن أعطيته قيمته قائما توفية بالشرط ولو لم يبن ولم يغرس ولو لم تضرب أجلا كان لك؛ لأن التحديد يقوي مالك المنفعة وتعينه مراد لكما، ولو سميت أجلا ولم تسم ما يبني وما يغرس فلا تمنعه إلا ما يضر بأرضك وله الخروج قبل الأجل وقلع بنائه وغرسه؛ لأنه ماله إلا أن تشاء أخذه بقيمته مقلوعا إن كان ينتفع به بعد القلع وإلا فلا يقلع ولا شيء له؛ لأن ماليته تذهب بالقلع سفها ولم تفوت عليه مالا بالإبقاء، وإن أعرته للزرع فله حتى يتم ويتمكن من البيع بالطيب، وليس لك كراء من يوم رمت إخراجه ولا فيما مضى إلا أن تعير للثواب فهو كالإجارة فإن أعرته للبناء وسكن عشر سنين ولك البناء بعدها جاز إن بينتما صفة البناء ومبلغه وأجله؛ لأنها إجارة وإلا امتنع وحيث امتنع وبنى وسكن فله قلع بنائه ولك كراء أرضك لفساد العقد ولك إعطاؤه القيمة مقلوعا، وإلا ينقضه ويمتنع أن يغرسها شجرا وهو لك بعد الأجل؛ لأن الشجر لا يحدد فيعرف قال صاحب النكت‏:‏ قوله وقال في موضع آخر يحتمل ثلاثة أوجه، أحدها‏:‏ أن يعطيه قيمة ما أنفق إذا أخرج الآجر والجير من عنده، وقوله ما أنفق إذا أخرج الثمن فاشترى به هذه الأصناف، وثانيها‏:‏ قيمة ما أنفق إذا طال الأمد وتغير بالانتفاع وما أنفق إذا كان بالقرب وعلى هذا لا يكون اختلافا، وثالثها‏:‏ إن أعطاه ما أنفق، أي‏:‏ عدة الدنانير والدراهم، ولا يلتفت إلى الغبن اليسير وقيمة ما أنفق، أي‏:‏ بغير غبن إلا ما يتغابن الناس في مثله فهو اختلاف، والكل فيه محتمل وقوله في عارية الزرع لا يخرجه حتى يطيب يريد أن القيمة لا تكون فيه؛ لأنه لا يباع ولا يريد إن فيه‏.‏

القيمة إذا طاب بخلاف البناء والغرس؛ لأنهما يبقيان في الأرض بخلاف الزرع فلا يأخذه وقوله حتى يطيب مستدرك؛ لأن الزرع لا يباع بعد الطيب حتى ييبس، والفرق بين أخذ البناء بعد عشر سنين وبين منع بيع دار على أن تقبض بعد عشر سنين إن البناء ههنا من حين كماله لك، وإنما له السكن بخلاف البيع ولو انهدم البناء في أيام السكنى فهو منك، أو قبل السكن رجع بقيمة بنائه عليك؛ لأنه لما تعذر سكناه رجع بالعوض، أو بعد بعض السكنى ببعض القيمة بقدر ما لم يسكن ويستوي اشتراط السكن تلك المدة بعد البناء، أو بعضها في أمد البناء؛ لأن أمد فراغه معلوم فيصير الشرط لما بعده لتعذر السكنى، قال ابن يونس‏:‏ ليس لك إخراجه في البناء، وإن لم يضرب أجل حتى يبلغ أمد مثله؛ لأن العرف كالشرط وقال أشهب لك إخراجه بعد فراغ البناء والغرس، وإن قرب لأنك لم تضرب أجلا وهو فرط حيث لم يضربه وتعطيه قيمته مقلوعا، أو تأمره بقلعة وقال أيضا لك إخراجه إذا احتجت لعرصتك، أو بيعها تقدم شرط أم لا؛ لأن الضرورة مقدمة على المعروف، وإن كان بشرط وقع بينكما لا لحاجة امتنع وفاء بالعقد السالم عن معارضة الضرورة، وحيث دفعت قيمته مقلوعا فيعد أجرة القلع، قال أشهب‏:‏ إذا قلت في الدابة إلى موضع كذا، أو إلى كذا وكذا يوما، أو حياتك فليس لك الرجوع، وإن لم تزد على أعرتك فلك الرجوع متى شئت لعدم تعين الزيادة قال مالك كل من بنى بإذنك، أو علمك فلم تمنعه، ولا أنكرت عليه فله قيمته قائما كالباني بشبهة وكذلك المتكاري أرضا، أو منحها، أو بنى في أرض أمرته وأراضي ببينه وبين شركائه بعلمهم فلم يمنعوه والباني بغير إذن ولا علم له القيمة مقلوعا وهو قول المدنيين وقول أصحاب مالك قال ابن حبيب‏:‏ ولم يختلف قوله في ذلك قال مطرف‏:‏ إذا اشترط عليه إذا انقضى الأجل قلع‏.‏

بناءه وترك غرسه بطل الشرط نفيا للضرر، وله قيمته قائما إذا تم الأجل ولو شرط أن له القيمة قائما امتنع؛ لأنها إجارة بأجرة مجهولة فما بني فله الأقل من قيمة بنائه يوم فرغ، أو ما أنفق فيه ولك كراء الأرض مبنية من يوم سكن قال اللخمي‏:‏ العواري هبات تجوز معلومة ومجهولة وغررا وفي لزومها للمعير قسمان قسم يلزم بالعقد، ثم يعود إليه وهو ما ضرب فيه أجلا، وعمله معلوم وما لا يضرب أجلا ولا هو معلوم قيل لا يجبر على التسليم ولك الاسترداد وبعد التسليم، وإن قرب قاله ابن القاسم لعدم تعين الموهوب من المنافع وقيل يلزم إلى مدة مثله قاله ابن القصار؛ لأن العرف كالشرط، وقال عبد الملك‏:‏ ما يتكلف فيه الإنفاق والمئونة، وإن قلت لا رجوع فيه نفيا للضرر وإلا فلك الرجوع في مثل فتح باب إلا أن يكون المستعير باع داره وشرط للمشتري ما أذنت له فيه بعلمك فيلزم أبدا، واختلف إذا أذن له أن يغرس على مائه ففعل فقيل ليس له قطع ذلك الماء؛ لأنه كالهبة مالم توقف، أو تسميه عارية وقال أشهب له الرجوع، وإذا أذنت في إجراء نهر خلف حائطه، أو ميزاب على الحائط فأضر بالحائط نفيا للضرر، فإن احتاج الحائط إلى إصلاح له فعلى من كان ذلك بسببه، وإن انهدم وعلم صاحب الحائط بالفساد لم يكن عليه شيء، وإن لم يعلم وعلم ذلك الآخر كان بناؤه عليه فإن جهلا جميعا جرت على قولين كالمخطئ فيما أذن له فيه، وإن يضمن أصوب‏.‏

فرع‏:‏

في النوادر كل من بنى في أرض غيره بإذنه، أو بعلمه ولم ينكر عليه، أو بشبهة من الشبه، أو غرس فله قيمة ذلك قائما وإلا فمنقوض غير أن مالكا قال‏:‏ إذا أسكنته دارك وأذنت له أن يجدد فيها حجرا فليس له بعد المدة إلا النقض إلا أن تعطيه قيمته منقوضا لدخوله عند الأجل على النقض‏.‏

نظائر‏:‏ قال العبدي‏:‏ يؤخذ البناء بقيمته مقلوعا في ست مسائل البناء في أرض مغصوبة، أو عارية، أو بكراء، أو أرض زوجته، أو شركاء، أو ورثة بنى في ذلك كله بأمر أم لا عند ابن القاسم، وعند المدنيين إن بنى بأمره فالقيمة قائما وإلا فمقلوعا، وقد تقدم قبل هذا الفرع نقل آخر في هذا المعنى‏.‏

نظائر‏:‏ قال يلزم الضمان إلا أن تقوم ببينة في ست مسائل عارية ما يغاب عليه والمبيع بالخيار فيما يغاب عليه، ونفقة الولد عند الحاضنة والصداق مما يغاب عليه وادعت المرأة تلفه ووقعت فيه الشركة بالطلاق والمقسوم من التركة بين الورثة، ثم انتقضت القسمة بدين، أو غلط وقد تلف، وهو مما يغاب عليه ومسئلة الصناع في الإجارة‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا استعار عشر سنين فورثته بمنزلته قبض أم لا؛ لأنه حق له بالعقد وقال ‏(‏ح‏)‏ و‏(‏ش‏)‏ للمعير الرجوع ولو قبض المستعير الدار؛ لأن المنافع معدومة فهي كهبة لم تقبض على أصلهم ونحن نمنعهم الحكم في الموضعين، وسيتقرر ذلك في الهبة إن شاء الله فإن مات المعير قبل القبض بطلت العارية كالهبة‏.‏

القاعدة‏:‏ لا ينتقل للوارث خيار البيع والرد بالعيب والأخذ بالشفعة والمطالبة بنفي الضرر عن الأملاك، ولا تنتقل إليه الوكالة ولا الإيلاء، ولا اللعان ولا النكاح ولا خيار اشترطه له المتبايعان، فليس كل الحقوق تنتقل بل الضابط إن ما كان مالا، أو متعلقا بالمال انتقل؛ لأن الوارث يرى المال فورث متعلقاته، وكل ما هو متعلق بالنفس كالنكاح، أو بالعقل والرأي كخيار اشترطه له المتبايعان والوكالة فلا ينتقل؛ لأن جسمه وعقله ورأيه لا يورث، فالعلم بهذه القاعدة يوضح‏.‏

لك هذه المواطن‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ من أعمرته دارك حياته رجعت بعد موته إليك قال صاحب الاستذكار هذا مذهب مالك وأصحابه وكذلك إذا قال لك ولعقبك ترجع له ولمن يرثه وإنما يملك عند مالك وأصحابه بلفظ العمرى والسكن والاعتمار والاستغلال والإعمار بالمنافع دون الرقاب، وقال الأئمة‏:‏ يملك الرقاب في العمرى، قال لعقبك أم لا لما في الموطأ قال عليه السلام أيما رجل أعمر عمرى له ولعقبه، فإنها للذي يعطاها لا ترجع للذي أعطاها أبدا؛ لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث وفي أبي داود العمرى جائزة لأهلها والرقبى جائزة لأهلها، وفي مسلم أمسكوا عليكم أموالكم ولا تفسدوها، فإنه من أعمر عمرى فبنى للذي أعمرها حيا وميتا ولعقبه ولا أثر لذكر العقب، قد يموت قبله والجواب عن الأول أنا نقول بموجبه، فإنها لا ترجع إلى الذي أعطاها أبدا ما دام من عقب المعطي أحد وكذلك قال الداودي؛ لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث، فإن هذه الزيادة من قول الراوي فعلل بالمواريث وجعلها المانعة، ونحن لا نغيره ما دام ميراث من العقب ويوضحه إلا تعود فعل في سياق النفي هل يعم أم لا خلاف بين الأصوليين‏؟‏، وإن سلمنا العموم فهو في الأزمان المستقبلة والعام في حقيته مطلقا وفي أحوالها على ما تقرر في أصول الفقه والمطلق تكفي فيه صورة فنحمله على حالة عدم الوارث من العقب فيسقط الاستدلال به فيما عداه؛ لأن ذلك شأن المطلقات، وعن الثاني القول بالموجب أيضا، فإن الجواز ثابت إنما الخلاف في الرجوع وعن الثالث القول بالموجب أيضا فانهما له ولعقبه حيا وميتا إنما الخلاف بعد العقب ثم‏.‏

يتأكد ما ذكرناه بما في الموطأ قال القاسم بن محمد‏:‏ لما سئل عن العمرى فقال‏:‏ ما أدركت الناس إلا وهم عند شروطهم في أموالهم، وورد عليه إن أراد الغالب فليس حجة مطلقا فكيف تدفع به السنة، أو إجماع المدينة فقد خالفه جمع كثير منهم وقضى بها طارق بالمدينة، وقال إبراهيم بن إسحاق الحربي عن ابن الأعرابي لم يختلف العرب في العمرى والرقبى والإفقار والإحمال والمنحة والعرية والعارية والسكتى والإطراق أنها على ملك أربابها ومنافعها لمن جعلت له، والخصم يدعى إن الشرع نقلها والأصل عدم النقل؛ لأن تمليك الرقاب متى اشترط فيه التأقيت فسد كالبيع، وههنا لم يفسد فيصرف إلى المنافع؛ لأنها لا يفسدها التأقيت بل شرط في بعض صورها، والخصم يدعي إن الشرع أبطل التأقيت تصحيحا للملك ونحن ندعي إن الشرع اعتبره، والإبطال على خلاف الدليل فيكون مذهبنا أرجح لغة وشرعا؛ ولأن التبرع على خلاف الأصل خالفناه في المنافع فيبقى في الرقاب على مقتضى الأصل تعليلا للمخالفة‏.‏

فائدة‏:‏ قال صاحب التنبيهات العارية بتشديد الياء والعمرى بسكون الميم من العمر والرقبى بضم الراء وسكون القاف مقصورة؛ لأن كل واحد منهما يرقب صاحبه وتفسد الرقبى من جهتين وتصح من جهة واحدة نحو قوله في عبده فإن مت فاخدم فلانا حتى يموت ثم أنت حر؛ لأنه كالتعمير ووصية بعده بالخدمة وعتق إلى أجل وتفسد إذا كانت المراقبة من الجهتين لكونها خارجة عن الوصية والعتق إلى أجل، وإذا كانت قبالة الدار دار أخرى من الجهة الأخرى لكونها معاوضة فاسدة ووافقنا ‏(‏ح‏)‏ في الرقبى وجوز ‏(‏ش‏)‏ وأحمد القسمين الأولين، ولم يبطلا إلا المعاوضة في القسم الأخير‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ العمرى في الرقيق والحيوان ولم أسمع ذلك في الثياب وهي‏.‏

عندي على ما أعطاه من الشرط، وتمتنع الرقبى وهي أن تكون دار بينكما فتحبسانه على إن من مات منكما، أو لا فنصيبه حبس على الآخر للغرر وكذلك العبد بينكما تحسبانه على أن من مات أولا فنصيبه يخدم آخرهما موتا، ثم يكون حرا ويلزمهما العتق إلى موتهما، ومن مات خدم نصيبه ورثته دون صاحبه فإذا مات آخرهما عتق نصيبه وكل واحد بصرفه في ثلثه كمن قال إذا مت فعبدي يخدم فلانا حياته ثم هو حر، ولو قال عبدي حر بعد موت فلان فهو من رأس المال؛ لأنه تصرف في الصحة والتعليق على الموت يعد واقعا عنده؛ لأن الشروط اللغوية أسباب والمسبب عند السبب فتختص بالثلث كالوصايا، قال ابن يونس‏:‏ إذا أعمره وعقبه لا يرجع إليه لحديث الموطأ المتقدم فيكون موقوفا عليهم ما دام أحد من العقب حيا ولا فرق في التعمير بين إسكانه عمره، أو عمر فلان، أوالي قدوم فلان، وتجري المواريث له ولعقبه في النفع دون الأصل، قال اللخمي‏:‏ إذا قال من مات منا فنصيبه حبس على الحي فعلى القول أن يرجع الحبس على المعين ملكا يبطل هذا ويصنعان بالدرما أحبا، وعلى القول أنه يرجع حبسا تبطل السكنى خاصة، وتكون ملكا لهما حتى يموت آخرهما فتكون على مرجع الأحباس‏.‏

تنبيه‏:‏ إذا أسكنه هل ملكه المنفعة، أو ملكه أن ينتفع كما ملك الشرع الانتفاع بالمساجد والربط والمدارس والطرقات، فله المعاوضة عن المنفعة في القسم الأول دون الثاني، والجواب‏:‏ إن ابن أبي زيد نقل في النوادر إن له في الوصايا إذا أوصى لرجل بغلة مسكن ولآخر بمسكن آخر لكل واحد أن يسكن‏.‏

وأن يستغل وهو دليل على أنه ملكه المنفعة‏.‏

فرع‏:‏

في الجواهر إذا قلت أجرت لك وقال الراكب‏:‏ أعرت صدق مع يمينه إلا أن يكون شأنه عدم الكراء لعلو قدره وكذلك لو قلت غصبتنيها‏.‏

فرع‏:‏

في المقدمات أجرة حمل العارية على المستعير لقوله لصفوان في الأدرعة اكفنا حملها فدل على إن الحمل عليه، واختلف في أجرة الرد فقيل عليه لوجوب التسليم عليه وقيل المعير؛ لأنه صنع معروفا فلا يأخذ عليه أجرا ومنفعة الرد تختص به بخلاف النقل إلى المستعير‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ من حق المستعير الأشهاد على الرد، وإن قبضها بغير إشهاد بخلاف الوديعة؛ لأن العارية مضمونة بخلافها‏.‏

فرع‏:‏

قال الأبهري‏:‏ إذا مات العبد المخدم قبل انقضاء الخدمة ماله لصاحب الرقبة، أو لورثته وإذا قتل فقيمته لسيده وأرش جراحه؛ لأنه مالك للرقبة فإن جنى قبل‏.‏

الخدمة، قيل للمخدم افده حتى تخلص لك الخدمة، فإن الجناية تتعلق بالعبيد، فإن امتنع فقد أسقط حقه من الخدمة وبخير السيد بين إسلامه وافتتاكه على قاعدة جناية العبيد‏.‏

فرع‏:‏

قال الأبهري‏:‏ إن أعمر أمة امتنع وطؤها؛ لئلا يبطل وطء السيد الإعمار بأن يصيرها أم ولد بوطئه والمعمر ليس مالكا للرقبة فتحرم عليهما‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ إذا أعمر عبدا فنفقته حياة المعير عليه؛ لأنه المنتفع وعن مالك إذا حبس على أم ولده خادما، فنفقتها على الورثة وابن القاسم وأشهب على قوله الأول وإذا أوصى بخدمته سنين فأولها يوم موته؛ لأن الوصية إنما تعتبر بعد الموت‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ ولد المخدم من أمته بمنزلته يخدم معه كما يدخل في كتابته وتدبيره، وإن قتله سيده خطأ فلا شيء عليه؛ لأنه لا يضمن لنفسه، أو عمدا فعليه قيمته لمن أخدمه في السنين التي أعمر فيكرى له عبد منها يخدمه، فإن لم تف لم يكن عليه شيء، وإن زادت فللسيد؛ لأنه قد وفى بالخدمة، قال‏:‏ والصحيح عندي أن يكون الخطأ كذلك؛ لأنه أفسد خدمته خلافا لقول مالك المتقدم فإن أعتق نصف المخدم عتق كله لقوة العتق في نظر الشرع واستؤجر من قيمة النصف كما إذا قتله وولد المخدمة معها يخدم فإن ماتت بقي ولدها يخدم‏.‏

فرع‏:‏

في الجواهر حكم العارية اللزوم، ومتى كانت إلى أجل معلوم، أو كان لها قدر معلوم كعارية الدابة إلى موضع كذا والعبد يبني كذا، أو يخيط كذا فهي لازمة، فإن لم يضرب أجلا ولا كان لها مدة القضاء لزمت بالقول والقبول ويبقيها مدة انتفاع مثلها عند استعارتها وخالفنا الأئمة، وقالوا لا يجب التسليم ولا التمادي بعده؛ لأن المنافع معدومة فهي كهبة لم تقبض على أصلهم في الهبة، وسيأتي تقريره في الهبة إن شاء الله والعارية مقيسة عليها، وقال أشهب‏:‏ المعير بالخيار في تسليم ذلك، وإن سلمه كان له الرد، وإن قرب قال أبو الفرج‏:‏ وأرى إن وجوبها بالقول دون الاقباض إنما فيما عدا الأرضين‏.‏

‏.‏